كيف نتعامل مع خطأ المراهق
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على الرحمة المهداة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإنَّ الخطأ من طبيعة البشر، وذلك مصداقاً لقول رسول الله : (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، وإذا كان الخطأ وارداً على البشر، وهو من صفاتهم الملازمة لهم، فإنَّ ذلك الخطأ واردٌ كذلك على المراهق ذكراً كان أو أنثى، وانطلاقاً من هذه الحقيقة فليس مجرد وقوع الخطأ أو التفكير به مصيبة كبرى، ولكنَّ المصيبة هو الإنكار هذا الفعل بأنَّه خطأٌ أصلاً، وعدم الإعتراف به، ثم الإصرار عليه، دون الشعور بأيّ ندمٍ، أو تأنيبٍ للضمير، أوالخوف من عقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة، والأصل أنَّ: (خير الخطائين: التوابون)، فكيف نستطيع أن نأخذ بيد المراهق المخطئ الذي وقع في الخطأ، أوفكرفي الوقوع فيه، إلى الإعتراف بأنه مخطئ، وأنَّ هذا الفعل لا يليق بنا فعله، وما هو السبيل للتخلص من هذا الخطأ؟، وكيف نصحح هذا الخطأ ؟ وماهو الأسلوب الأمثل والأنجع في معالجة هذا الأمر؟ لا سيما وأنَّ الكلام موجهٌ إلى مرحلة المراهقة، وهي مرحلة حساسةٌ جداً، إذا أسأنا التصرف معها قد نخسر ثقة المراهق والتأثير فيه وتوجيهه، وإذا أحسنا التصرف ربحنا ثقته والتأثير به وتوجيهه. وإنَّ شمولية هذا الدين العظيم تأبى إهمال هذا الجانب التربوي المهم، بل إننا إذا دققنا النظر في حديثٍ واحدٍ من أحاديث رسول الله الذي عالج فيه مشكلةً من المشاكل التي يقع فيها المراهق عادةً، أوحتى يفكر فيها، لوجدنا فيه منهجاً متكاملاً واضحَ الخطوات والمعالم في التعامل مع أيّ خطأٍ، أو تصورٍ، أو تصرفٍ يصدر عن المراهق. أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: (إنَّ فتى شاباً أتى النبي فقال: يارسول الله: ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مَـه مـَه، فقال : ”ادنه”، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: ”أتحبه لأمك؟ قال:لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لاوالله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهّر قلبه، وحصن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء). فنلاحظ وبشكل واضح جليّ أنَّ النبي استخدم في هذا الحديث سبع خطوات علاجية في تصحيح ما فكر به هذا المراهق من فعلٍ خطأٍ يتنافى مع تعاليم الدين، ومكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، وهي: 1. قرَّبه منه قائلاً ”ادن مني”. 2. لم ينكر عليه هذه الجرأة الصارخة، وهو رسول الله ، بل أنكر على المنكرين عليه. 3. أجلسه بجانبه، وبدأ معه حواراً هادئاً بنّاءً. 4. جعله يقرّ بالخطأ كثيراً وتكراراً، ”لا والله يا رسول الله”. 5. خاطب عقله وقلبه وعاطفته ”أترضاه لأمك؟ لأختك؟ لابنتك؟ لعمتك؟ لخالتك؟” 6. إشعاره بأنَّ هذا ذنب: اللهم اغفر ذنبه” 7. لمسة حب وحنان ”وضع يده عليه ثم دعا له”. فنستطيع من خلال هذا الحديث الشريف أن نضع منهجاً واضحاً للتعامل مع المراهق عند تفكيره في الخطأ، أوحتى عند ارتكابه لهذا الخطأ، ويظهر لنا هذا المنهج من خلال النقاط الآتية: 1. لا تزجر مباشرةً، فلا تصرخ، ولا تعاقب، ولا تضرب، ولا تستنكر بمجرد سماع الأمر، بل اسمع ما يقوله وإن كان خطأً، وإيّاك أن تظهر له تأثراً، أو إنكاراً، أو استغراباً، حتى يشعر بالراحة والأمان فيتابع حديثه ولا ينقص منه شيئاً. 2. لا تصدر عبارات الاستغراب والإنكار، وإيّاك أن تقول: (أعوذ بالله…، استغفرالله…، معقول…!!، كيف فكرت بهذه الأمور…!!). 3. حاوره حواراً هادئاً ومبسطاً، ابقَ مطمئناً، هادئاً، وحاور وأنت غير منفعل. 4. انتبه إلى آداب المجالسة، فلا تستخدم لا الفوقية ولا الدونية (بأن تكون جالساً بمستوى أعلى أو أدنى منه)، ولكن استخدم الجلسة المعتدلة وهي أن تكون مقابلاً له وبجانبه. 5. فرّق بين أمرين: بين خطأ قد ارتكبه، وبين خطأ يريد فعله. 6. استخدم أسلوب السؤال وكرره كثيراً بحيث يكون الجواب نفسه في كل الأسئلة، لأنك تريد إدخال هذا المعنى إلى داخله، (أترضاه لأمك؟ لا، أترضاه لأختك؟ لا، أترضاه لابنتك؟ لا، أترضاه لعمتك؟ لا، أترضاه لخالتك؟ لا)، فقل له على سبيل المثال: (هل عملك هذا صحيح؟، هل أنت راضٍ عن عملك؟، هل هذا يرضي الله عزّ وجلّ؟، هل ترغب أن يعلم فلان بهذا الفعل؟ …هل؟ هل؟ هل؟ وهو يجيب في كل ذلك: لا، لا، لا). 7. لا تستخدم لغة الصراخ في حديثك معه، ولا تسرع في كلامك معه، حتى يفهم منك ما تريد. 8. اسمعه جيداً، وافهم منه ما يقول، وتأكد من فهمك لقصده تماماً، ولا تنشغل عنه بصحيفة ولا تلفاز ولا نظر إلى أي شيء، ولا تحكم عليه مباشرة، ولاتحمّل كلامه ما لا يحتمل. 9. اجعله يشارك في وضع الحلول المناسبة لهذه المشكلة، وما هي البدائل؟ وما هو برأيه العلاج؟ فإنه إذا شارك في وضع الحلول التزم بها، أو على الأقل لا يعترض عليها. 10. لاتحاصره في حلٍ واحدٍ فقط، بل اجعل أمامَهُ عدةَ خيارات، حتى يشعر بالحرية في الانتقاء والاختيار. 11. استخدم الوقت والمكان المناسبَين، فلا تعالج وقتَ وقوع الخطأ، ولابعده مباشرةً، ولا متأخراً كثيراً، ولا أمامَ أحد، ولا يكون المعالج منفعلاً ولا غضبان. 12. أعطِ للعلاج وقته الكافي، فلا تختصر شيئاً من الوقت بحجة الانشغال، ولاتطل كثيراً في الوقت والكلام إذا كان الأمر لايحتاج لذلك. 13. لا تشهّر به ولا تفضحه، ولا تجعل خطأه حديثك الدائم حيثما حللت، ولا موضع تندرك مع الآخرين. 14. انتبه جيداً، واحذر من أسلوب المقارنة مع الآخرين، فقط أثنِ على المجتهد والمتفوق، وإيَّاك أن تقارن السيئ بالجيد، (انظر إلى فلان، ابن فلان، أخيك،…). 15. فرِّق بينه وبين الخطأ، وإيَّاك أن تمسّ الذات، فلا تقل: ”أنت فاشل”، ”أنت قليل الأدب”، ”أنت سيئ الفهم”، ”أنت مصيبة…”، ولكن قل: ”الولد الصالح يفعل كذا”، أو ”لا يرضى أن يفعل هذا الأمر…” وهكذا. 16. خاطبه وحاوره بأسلوب التعميم، ولا تخاطبه مباشرةً، فقل: ”الشباب يفعلون كذا”، ”الناس لا ينتبهون لخطورة الأمر فيقعون في هذا الخطأ”، على قاعدة (ما بال أقوام يفعلون كذا). 17. استخدم أسلوب المناقشة والحوار من أجل الإقناع، والمراهق كثيراً ما يقول: ”إقنعني”، ”ناقشني”، ”لماذا لا تفهمونني…” 18. لاتستخدم أسلوب القمع والإرهاب: ”أنا أبوك”، ”أنا أمك”، ”أنا أستاذك”، ”أنا أفهم منك…”، واسأله عن سبب فعله، وبيِّن له بالنقاش والحوار الأسباب المقنعة التي تجعله يتبع رأيك ويترك رأيه. 19. تعرف على حقيقة المشكلة والسبب الذي أدّى إليها، ولا تقف
كيف نتعامل مع خطأ المراهق قراءة المزيد »